Gallery

تلخيص وقراءة نقدية لرواية #السجينة

%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%ac%d9%8a%d9%86%d8%a9النزعة الفرنسية لعائلة أوفقير

 رواية “السجينة” عبارة عن سيرة ذاتية لشخص الكاتبة وهي فتاة مغربية تدعى مليكة أوفقير ابنة الجنرال محمد أوفقير من بربر أعالي الأطلس المغربي الذي بدأ مشواره العسكري في الجيش الفرنسي. أمها هي فاطمة الشنَّا ابنة عبدالقادر الشنَّا ضابط في الجيش الفرنسي. تربت أم مليكة في مدرسة داخلية تديرها راهبات فرنسيات. هذا التفصيل رأيته مهماً لأن من شأنه تفسير بعض الأحداث لاحقاً.

المعالم السياسية والاجتماعية والثقافية في عهد الملك الحسن الثاني

تتدرج الأحداث بدءاً من سرد للحياة الفارهة والباذخة التي عاشتها مليكة أوفقير بعدما تبناها ملك المغرب آنذاك محمد الخامس وهي ابنة الخامسة لترافق ابنة الملك للا مينا وتعيش معها في فيلتها الخاصة فيلا ياسمينة بين الجواري والخدم. تروي لنا مليكة عذابها النفسي حين انتُشلت قسرا من حضن أمها وهي من عائلة  غنية لتعيش كطفلة متبناه تُحرم من لقاء عائلتها إلا نزراً. بعد ذلك يموت الملك محمد الخامس ومليكة في الثامنة من عمرها ليصير المُلك ومصير مليكة لابنه الملك حسن الثاني.

في هذا الفصل من الرواية تتضح المعالم السياسية والاجتماعية والثقافية بداخل البلاط الملكي المغربي في تلك الحقبة في فترة الستينات. في مواضع متفرقة من الرواية كان هناك وصفاَ للهندسة المعمارية والداخلية للقصور وأسمائها  ومواقعها الجغرافية الذي أضاف قيمة للرواية لتسجيله تاريخيا. بما في ذلك موائد الملك وأواني الفضة وأكواب الكريستال واللوحات الإيطالية النادرة.كذلك تناولت تفصيلا دقيقا لتواجد الجواري ووظائفهن والحيل والمكر الذي كان يمارس تحت سقف القصر الملكي وأنواع العقاب والنفي الذي يصرن إليه وعن العبيد ووظائفهم. عبيد للملك وعبيد للزوجات وعبيد للجواري. تتجلى في الواية صورة دقيقة لما كانت الجواري يرتدينه من قفطان حريري إما أخضر أو رمادي أو بني مذهب الأطراف تماما كالعبيد وهو اللون الموحد حتى تصبح الجارية رسمية تتمكن من اختيار لون قفطانها بنفسها. ومن الناحية الاجتماعية كن النساء ممنوعات من التواصل مع الخارج أو حتى مع البستاني إلا عن طريق جارية واحدة كانت تلك هي وظيفتها. أما من الناحية الدينية فيتجلى بوضوح وجود الكثير من البدع والخرافات والتكهن وعلى الرغم من شدة المحافظة على النساء ومنعهن من التواصل مع الخارج، يأتي ذلك المقطع الذي ذكرت فيه الكاتبة إلزام الملك للجميع بما فيهم مليكة وهي ابنة الحادي عشرة بالسباحة مجردين من أي قطعة تكسوهم! أمر لا يقبله أي دين بل إن الفطرة الإنسانية البسيطة ترفضها تماما.

الغموض السياسي

يزداد نفوذ أبيها الجنرال محمد أوفقير أكثر تجذراً وعلاقات أمها أكثر توسعاً. تبدأ الفجوة بين الملك والجنرال أوفقير بعد حادثة اغتيال غامضة اتُّهم فيها أوفقير من قبل فرنسا لكن الملك ساعده لشدة وثوقه به. بعد ذلك يحدث الانقلاب الأول ونرى من جديد الملك يشد ظهره بالجنرال حيث عينه في منصب رفيع. ما إن جاءت السنة الثانية حتى وقع الانقلاب الثاني الذي مات فيه الجنرال بخمس طلقات يرجح أنها عملية اغتيال لا انتحار كما صُرِّح رسمياً! الوقائع التي روتها مليكة قُبيل الانقلاب تلمح إلى أن أبيها كان مشاركا فيها. برأيي كان هناك غموض كثير وشيء من التضارب في رواية هذا الفصل من الأحداث.

الملحمة الحقيقية 

تبدأ مرحلة الدخول في نفق مظلم رطب مخيف ينهش في جسد وأرواح الأطفال الستة وأمهم التي كانت لا تزال في السادسة والثلاثين من العمر. تدخل مليكة وهي لا تزال في الثامنة عشرة ثم تخرج وهي بعمر يقارب عمر أمها حين دخلوا ثقب الزمن الذي ضاع في عشرون عاماً من أعمارهم. كان ذلك لوحده مؤثرا  كما حزنت كثيرا لحال عاشوراء وحليمة اللتان قررتا الانضمام لمصيرهم الأسود المحتوم دون علم منهما لما سيلاقيانه.

تبدأ رحلتهم بأول معسكر تحت الأرض ورغم بشاعته إلا أنه كان نعيما قياسا بما سيلحق بهم من تنقلات في معسكرات غيرها! تُظهر عائلة أوفقير التماسك والترابط القوي فيما بينهم من أول يوم زجوا فيه بين أنياب السجن وحتى الرمق الأخير. كانت أمهم ومليكة الوقود الذي يشعهم بالأمل والتماسك والقوة.

القصص التي روتها مليكة كانت فظيعة وتفوق التصور والخيال حتى أنها تبدو وكأنها ضرب من الخيال. سلسلة من المغامرات ومحاولات للوقوف أمام من يريدك أن تركع كانت فعلا تبث شعورا خفيا يتسلل لداخل كل خلية من خلاياك لتبثها بالقوة والشجاعة وتكسر كل شعور باليأس أو الاستسلام عن حلم أو هدف. هذه الرواية بحق ليست تحكي عن تحرر من قضبان المعتقلات بل يجب على كل شخص أن يقرأها ليتحرر من سجن نفسه الذي صنعه بنفسه ليقيد سعادته أو لينفي أحلامه! إنها التحرر الأكيد من معتقل الذات وشهواتها إلى النفس السامية. وهذا ما وجدناه من مليكة التي كما قالت حتى تحيا هي عليها أن تدع مليكة القديمة المدللة اللعوب والتي تطارد ملذاتها لمليكة الأكثر عمقا والتي في النهاية وصلت للمعرفة الحقيقية لمعنى الحياة. الألم الذي اعتصرني وفاق ألم سجنهم لعشرون عاما كان لحظة ارتدادهم عن الإسلام واعتناقهم المسيحية. في البداية عزوت ذلك لفتنة التعذيب الذي مورس عليهم ولكن حين بحثت في النشأة التي نشأتها مليكة في القصر على يد مربية ألمانية والأم كما أشرت سابقا في مدرسة داخلية تديرها راهبات، إلى جانب تؤثرهم الشديد بالثقافة الفرنسية ليست تحدثا فقط بل وفكرا وثقافة. لكن بغض النظر عن كل الاختلافات التي دارت حول الجوانب السياسية والتعارض في الرواية إلا أن جرم نفي أطفال أبرياء في معتقلات السياسيين ولعشرين عاما حتما يجعلك تضرب بكل تلك الآراء في عرض حائط واحد من تلك الأسوار العظيمة التي دفنوا بينها.

الصياغة الأدبية

من الناحية الأدبية، الرواية لا بأس بها سيما أنها مترجمة من اللغة الفرنسية. حقيقة وأنا أقرأ لم أشعر أن النص مترجم إلا قليلا بعكس الروايات العالمية. الرواية لم تكن روعتها أدبية بقدر ما هي غنية بالوقائع التاريخية وحوادث حقيقية مشوقة للغاية تم توثيقها بدقة بالأيام والأشهر والأعوام. أيضا أعجبني كثيرا رواية قصة حياة مليكة على لسانها وفي زمن الحاضر وليس الماضي. ابتدأت سرد قصتها وهي ذات الخمس سنوات باستخدام الزمن الحاضر حيث أثارت حاسة السمع لدى القاريء حين قالت: “تتناهى إلى مسامعي أنغام الموسيقى التي تعلن قدوم المدعوين” . يربك الرواية عدم انسجام السرد القصصي، فكثيرا ما كانت الكاتبة تقفز من واقعة إلى أخرى ثم تعود من جديد. هذا الأسلوب يخلق تشتت في ذهن القاريء ويفقد الانسيابية في متابعة القراءة. بشكل عام، أنصح بقراءة الرواية خصوصا إن كنت تغرب بقراءة شيء مشوق ينتزع منك ملل طريق طويل كالسفر. حجم الكتاب متوسط ويتكون من 358 صفحة.

%d9%87%d8%b0%d9%87-%d8%b5%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d9%86%d8%a7%d8%af%d8%b1%d9%87-%d9%84%d9%84%d8%b9%d8%a7%d8%a6%d9%84%d9%87-%d9%81%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%ac%d9%86صورة الأطفال الستة للجنرال محمد أوفقير

Image

تنزيلقراءة نقدية لرواية #حوجن

رواية حوجن من الروايات الجميلة التي تشدك وتشعل فتائل الحماس في عينيك وأنت تقرأ .. فكلما وصلت لآخر السطر شدتك الصفحة بيدها لتقلبها وتنثر عيناك المتحمستان على الصفحة الأخرى لتكتشف يا ترى مالذي حصل؟ أحداث الرواية تدور بين بطل الرواية حوجن بن ميحال الفيحي الشاب  التسعيني النبيل من عالم الجن والذي يتسم بالمسالمة والتفوق في دراسته والجاد في عمله وبين الزهرة الناعمة والهادئة سوسن الإنسية! يقع حوجن في عشق سوسن ولأنه ذا شخصية جريئة وقد وقع في حب جارف، فإنه قرر أن يكاشفها بحبه لكن كيف؟؟ المتعة تكمن في تفاصيل الرواية  والأحداث التي لا يتوقعها القاريء وخصوصاً النهاية!

شخصياً، أحببت شخصية حوجن الذي جمع بين الجرأة والنبل حين عرف أين ومتى وكيف يقدم وينسحب… سوسن شخصيتها كانت استسلامية جداً ومكررة كثيراً فلم تجذبني. أما جمارى ابنة عم حوجن فأثارة دهشتي وإعجابي بشخصيتها. آه نعم، نسيت إياد الشاب الغارق في الثراء كان ذا شخصية احتوائية لدرجة أن يتفهم موقف حوجن لدرجة الدهشة وكل ذلك من أجل سوسن لا أدري هل أقول البطلة أم ضحية جشع عالم الإنس والجن! عموما الشخصيات كانت تبهرك كلٌ بطريقته ..

الرسالة في الرواية كانت واضحة وقوية تحذر من مغبات التساهل بلعب الويجا أو ما كنت أسميها في صغري ب”الأويجا”. كنت ألعبها في المدرسة مع زميلاتي في مرحلة المتوسطة بين مصدقة ومكذبة لصدق اللعبة. حقيقة الرواية عادت بي للوراء وأخافتني من أنها قد تكون حقيقية وذات اتصال بين عالمي الإنس والجن! أيضا كان فيها تحذير من الانصياع والتنازل للمشعوذين والسحرة بقصد التشافي أو التخلص من الأرواح الشريرة لأنها بوابة حقيقية لدخولهم لهذا العالم.

من الناحية الأدبية ، الرواية فقيرة في المصطلحات كما أنه تم توظيف اللهجة العامية “اللكنة الحجازية” في الحوارات مما أضعف تماسك النص لغوياً. أيضاً الرواية بفكرتها المميزة كانت تتحمل الإسهاب أكثر سيما أنها ترتكز على خيالات إلا أن الكاتب أخرجها بمشاهد مشوقة لكن قصيرة جدا ومختصرة. أما عن حجم الكتاب فهو صغير ويحوي على 310 صفحة. أي أنه الكتاب الأمثل الذي قد تصطحبه معك على الطائرة مثلا ليغرقك في عالمه وينسيك الملل الذي حولك.

رواية مسلية أنصح بها 🙂